
أسباب اعوجاج العمود الفقري لا تقتصر فقط على الجلوس الخاطئ أو وضعية الجسم، بل تمتد لتشمل عوامل وراثية، وتشوهات خلقية، واضطرابات النمو، وحتى بعض العادات اليومية التي نمارسها دون وعي.
هذا الانحراف في استقامة العمود الفقري قد يظهر بشكل جانبي (كما في الجنف)، أو انحناء للأمام (الحداب)، أو تقوس للداخل أسفل الظهر (القعس)، ولكل نوع أسبابه الخاصة.
وهذا ما سيوضحه لك الدكتور حازم عنتر مشالي بالتفصيل في هذه المقالة: أهم أسباب انحناء العمود الفقري وفقًا لكل نوع، فتابع القراءة.
ما هي أسباب اعوجاج العمود الفقري حسب نوع الانحناء؟
تختلف أسباب اعوجاج العمود الفقري باختلاف نوع الانحناء، سواء كان جانبيًا (الجنف)، أو أماميًا (الحداب)، أو داخليًا في أسفل الظهر (القعس).
أولًا: أسباب اعوجاج العمود الفقري الجانبي (الجنف Scoliosis)
الجنف هو انحناء جانبي في العمود الفقري، وغالبًا ما يظهر خلال الطفولة أو سن المراهقة، وتشمل أهم أسبابه:
الجنف مجهول السبب
- لا يُعرف سبب مباشر له، لكنه يرتبط غالبًا بالعوامل الوراثية.
- يحدث خلال فترة النمو السريع بين سن 10-18 سنة.
- تزداد احتمالية الإصابة إذا كان هناك تاريخ عائلي مشابه.
الجنف الخلقي
سببه عيب خلقي في تكوين الفقرات أثناء الحمل، وتشمل التشوهات: فقرات غير مكتملة أو ملتحمة أو غير منتظمة.
الجنف الثانوي
يحدث نتيجة أمراض أخرى مثل:
- الشلل الدماغي.
- ضمور العضلات.
- شلل الأطفال.
- الانزلاق الفقاري.
- إصابات العمود الفقري أو العمليات الجراحية السابقة.
ثانيًا: أسباب اعوجاج العمود الفقري الأمامي (الحداب Kyphosis)
الحداب هو زيادة في انحناء الجزء العلوي من الظهر للأمام، وقد يكون مؤقتًا أو دائمًا حسب السبب، وتشمل أهم أسبابه:
الحداب الوضعي
يعد أكثر انواع الحداب شيوعًا، خاصة بين المراهقين، ويحدث بسبب الجلوس أو الوقوف بوضعية خاطئة لفترات طويلة.
حداب شويرمان
ينتج عن تغيّرات في شكل الفقرات خلال البلوغ، ويؤدي إلى تشوه واضح في ثلاث فقرات متتالية أو أكثر. سبب حدوثه غير واضح لكنه مرتبط بنقص التروية في صفائح النمو.
الحداب التنكسي
يظهر مع تقدم العمر؛ نتيجة تآكل الأقراص الفقرية، أو هشاشة العظام، أو الكسور الانضغاطية في الفقرات.
ثالثًا: أسباب اعوجاج العمود الفقري القطني للداخل (القعس Lordosis)
القعس هو تقوس مفرط للداخل في منطقة أسفل الظهر، ويحدث لأسباب مختلفة منها ما هو مؤقت ومنها ما هو ناتج عن أمراض هيكلية.
القعس الوضعي
يحدث بسبب ضعف عضلات البطن أو زيادة الوزن، ويكون أكثر شيوعًا لدى:
- النساء الحوامل (خاصة في الثلث الأخير).
- من يعانون من سمنة مفرطة.
- الأشخاص الذين يجلسون لفترات طويلة.
القعس المرضي
يرتبط بأمراض، ومشاكل هيكلية مثل:
- انزلاق الفقرات.
- التهاب الفقار اللاصق.
- جراحات دمج الفقرات.
العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بانحناء العمود الفقري
لا يحدث انحناء العمود الفقري فجأة، بل يتطوّر غالبًا نتيجة مجموعة من العوامل التي تؤثر في شكل العمود الفقري واستقامته مع مرور الوقت.
وتتفاوت هذه العوامل ما بين أسباب وراثية، واضطرابات في النمو، وأسلوب الحياة اليومي، وبعض المشكلات الصحية المزمنة.
العوامل الوراثية والجينية
يُعد وجود تاريخ عائلي للإصابة بالجنف أو تشوهات العمود الفقري من أبرز عوامل الخطر، خاصة إذا ظهرت الحالة في مرحلة الطفولة أو المراهقة.
وترتبط بعض الحالات بمتلازمات جينية معروفة مثل: متلازمة مارفان، ومتلازمة داون، ومتلازمة إهلرز-دانلوس، التي تؤثر في مرونة الأنسجة وتوازن الهيكل العظمي.
كما أظهرت الدراسات أن الإناث أكثر عرضة لتطور الحالات المتوسطة إلى الشديدة من الجنف، مقارنة بالذكور.
اضطرابات النمو في مرحلة الطفولة والمراهقة
- فترات النمو السريع، خاصة في سن البلوغ، قد تؤدي إلى اختلال في توازن نمو العضلات والعظام، مما يزيد احتمالية انحراف العمود الفقري.
- كما أن الاختلالات الهرمونية، مثل: نقص الميلاتونين أو اضطراب هرمونات النمو، قد تُساهم في تطور بعض أنواع الانحناء.
- بالإضافة إلى ذلك سوء التغذية أو نقص فيتامين D والكالسيوم، مما يضعف البنية العظمية ويجعل الفقرات أكثر عرضة للتشوه.
العوامل الميكانيكية والوضعيات الخاطئة
- الجلوس أو الوقوف لفترات طويلة في وضعيات غير صحية (مثل: الانحناء المستمر للأمام أثناء الدراسة أو العمل المكتبي) يضع ضغطًا غير متوازن على العمود الفقري.
- حمل الحقائب الثقيلة على جانب واحد من الجسم بشكل متكرر يؤدي إلى تحميل غير متساوٍ على الفقرات.
- قلة ممارسة التمارين البدنية، وضعف عضلات الظهر والبطن، يُضعف الدعم الطبيعي للفقرات، ويسمح بحدوث ميل تدريجي في استقامة العمود الفقري.
- بعض المهن الشاقة التي تتطلب رفع أوزان متكررة أو حركات جسدية متكررة قد تساهم أيضًا في تآكل الفقرات أو انحرافها.
مشكلات صحية مزمنة تؤثر في استقامة العمود الفقري
- هشاشة العظام وتلين العظام تقللان من قدرة الفقرات على مقاومة الانضغاط أو الالتواء، مما يزيد خطر حدوث الحداب أو القعس.
- الاضطرابات العصبية العضلية، مثل: الشلل الدماغي، وضمور العضلات، أو شلل الأطفال، تُفقد الجسم السيطرة على الوضعية العضلية، مما يؤدي إلى انحناءات غير طبيعية.
- أمراض النسيج الضام مثل: التهاب المفاصل الروماتويدي أو الذئبة، قد تؤدي إلى تشوهات في المفاصل والفقرات، وخاصة مع تقدم المرض.
نمط الحياة والعوامل البيئية
- زيادة الوزن (السمنة) تمثل عبئًا إضافيًا على الفقرات القطنية (أسفل الظهر)، وقد تسرّع من تطور القعس أو تزيد شدته.
- نقص التعرض لأشعة الشمس يؤدي إلى انخفاض مستوى فيتامين D، الذي يؤثر في صحة العظام ونموها السليم.
- التدخين المزمن يُضعف الدورة الدموية في الغضاريف والأربطة، ويؤثر سلبًا في عملية ترميم الأنسجة العظمية.
- بعض الرياضات التخصصية مثل: الجمباز أو الباليه قد تؤدي عند غياب التوازن العضلي والتدريب الصحيح إلى إجهاد مفرط على العمود الفقري.
عوامل مرتبطة بالحمل والولادة
قد يؤثر نقص الأكسجين أثناء الولادة في النمو العصبي والعضلي، مما يزيد احتمال تطور انحرافات في العمود الفقري لاحقًا.
الولادة المبكرة، أو الأطفال منخفضي الوزن عند الولادة، غالبًا ما يكونون أكثر عرضة لضعف في البنية العظمية أو تأخر النمو العضلي.
العمر كعامل خطر
الأطفال والمراهقون معرضون للإصابة نتيجة سرعة النمو، أما كبار السن، فغالبًا ما يعانون من تغيرات تنكسية في الفقرات (مثل: تآكل الغضاريف أو هشاشة العظام)، ما يؤدي إلى تطور حداب تنكسي أو قعس مفرط.
متى يجب زيارة الطبيب لفحص اعوجاج العمود الفقري؟
يُعد الكشف المبكر عن اعوجاج العمود الفقري عاملًا حاسمًا في الوقاية من المضاعفات وتفادي تفاقم الانحناء.
هناك علامات وأعراض تستدعي تقييمًا طبيًا فوريًا، خاصة لدى الأطفال والمراهقين أثناء فترات النمو السريع.
علامات تحذيرية لدى الأطفال والمراهقين
- اختلاف ارتفاع الكتفين.
- بروز أحد لوحي الكتف.
- ميلان الحوض أو انحراف الخصر.
- عدم تساوي أطوال البنطال أو التواء القماش عند الوقوف.
أعراض وظيفية تدعو للقلق
- ألم مزمن في الظهر لا يتحسن بالراحة.
- تيبّس صباحي.
- صعوبة في الانحناء أو الالتفاف.
- تنميل أو ضعف في الأطراف.
- فقدان التوازن أو صعوبة المشي بثبات.
حالات طارئة
- تسارع في درجة الانحناء خلال فترة قصيرة.
- صعوبات في التنفس.
- فقدان السيطرة على المثانة أو الأمعاء (علامة ضغط على الحبل الشوكي).
الفئات ذات الخطورة الأعلى
- الأطفال في سن النمو (10–14 للبنات، 12–16 للأولاد).
- ممارسو رياضات عالية المرونة (جمباز، باليه).
- المصابون بمتلازمات وراثية تؤثر في بنية العظام.
- وجود تاريخ عائلي للاعوجاج.
وكما وضّح الدكتور حازم عنتر مشالي: كلما كان التدخل الطبي أسرع، زادت فرص السيطرة على الانحناء دون الحاجة إلى تدخل جراحي
الأسئلة الشائعة
هل يمكن علاج اعوجاج العمود الفقري بدون جراحة؟
نعم، يمكن علاج معظم حالات اعوجاج العمود الفقري بطرق غير جراحية إذا تم اكتشافها مبكرًا، وتشمل:
- الحزام الطبي في حالات الجنف الخفيف إلى المتوسط (25–40 درجة) قبل اكتمال النمو.
- العلاج الطبيعي مثل: تمارين شروث لتقوية عضلات الظهر وتصحيح الوضعية.
- تمارين الإطالة وتقوية العضلات في حالات الحداب الوضعي والقعس المرتبط بالسمنة أو ضعف عضلات البطن.
الجراحة تُستخدم فقط في الحالات الشديدة أو عند فشل العلاج التحفظي.
هل يسبب الجنف ألمًا دائمًا؟
ليس دائمًا؛ فمعظم الحالات الخفيفة لا تسبب ألمًا، لكن قد يظهر الألم في حالة:
- الجنف المتقدم أو غير المعالج.
- البالغين نتيجة ضغط على المفاصل أو الأعصاب.
- وجود انزلاق غضروفي أو تشنجات عضلية مزمنة.
ما العلاقة بين السمنة والقعس؟
السمنة تزيد من خطر القعس (تقوس أسفل الظهر) بسبب:
- دفع مركز الثقل للأمام، مما يضغط على الفقرات القطنية.
- ضعف عضلات البطن، مما يقلل دعم العمود الفقري.
- ارتفاع خطر الالتهاب والتنكس المفصلي.
الخاتمة
في النهاية، فهم أسباب اعوجاج العمود الفقري يمثل الخطوة الأولى نحو الوقاية والعلاج الفعّال.
سواء كان الانحناء ناتجًا عن أسباب خلقية أو مكتسبة، فإن الكشف المبكر والمتابعة الطبية المنتظمة يمكن أن تُجنب المريض الكثير من المضاعفات، وتُحسّن من استقامته ووضعية جسمه.
لا تنتظر تفاقم الأعراض أو تغير شكل الظهر بشكل واضح، إذا لاحظت أي انحناء غير طبيعي، أو شعرت بألم متكرر في الظهر، فاستشر الطبيب المختص في أسرع وقت.
فالعلاج المبكر يُحدث فارقًا كبيرًا، ويمنحك فرصة لاستعادة التوازن والحركة الطبيعية بأقل تدخل ممكن.