درجات اعوجاج العمود الفقري من المفاهيم الطبية الأساسية لفهم شدة انحناء العمود الفقري وتشخيص أنواعه المختلفة، مثل: الجنف (Scoliosis)، والحداب (Kyphosis)، والقعس (Lordosis). 

إذ يؤثر هذا الاعوجاج في شكل الجسم ووظائفه الحيوية، خاصة إذا لم يُكتشف مبكرًا أو لم يُعالج على نحو صحيح.

ولذلك في هذه المقالة، سيوضح لك الدكتور حازم عنتر مشالي، بشكل مبسط وواضح أنواع انحراف العمود الفقري، ودرجات كل نوع بناءً على زاوية كوب (Cobb Angle)، إلى جانب طرق التشخيص المستخدمة، وأهم طرق العلاج، سواء كانت تحفظية أو جراحية. 

كما ستعرف أيضًا كيفية التعايش مع اعوجاج العمود الفقري حسب درجته، وأهم المؤشرات التي تستدعي زيارة الطبيب، فتابع القراءة.

ما هي أنواع اعوجاج العمود الفقري؟

تشمل أنواع انحراف العمود الفقري المرضي: الجنف، والحداب، والقعس، وهي انحناءات غير طبيعية تؤثر في شكل العمود الفقري ووظيفته. 

تختلف هذه الأنواع حسب اتجاه الانحناء ومسبباته، وتظهر لدى كل من الأطفال والمراهقين والبالغين.

• الجنف (Scoliosis) 

هو انحناء جانبي غير طبيعي للعمود الفقري بزاوية تزيد عن 10 درجات، ويأخذ شكل حرف C أو S.

تشمل أنواعه الشائعة:

• الجنف مجهول السبب: الأكثر شيوعًا، وخاصة في سن المراهقة.
• الجنف الخلقي: ناتج عن تشوه في الفقرات منذ الولادة.
• الجنف العصبي العضلي: يظهر مع أمراض معينة، مثل: الشلل الدماغي أو الحثل العضلي.

• الحداب المرضي (Hyperkyphosis) 

هو تقوس زائد في الجزء العلوي من الظهر (المنطقة الصدرية) يتجاوز 50 درجة، ويؤدي إلى انحناء واضح أو ما يُعرف بالحدبة.

وقد يحدث نتيجة إلى:

• اضطراب في نمو الفقرات خلال فترة البلوغ، ويسمى حداب شويرمان.
• هشاشة العظام، والتي تسبب كسورًا انضغاطية تؤدي إلى الحداب عند كبار السن.

• القَعس المرضي (Hyperlordosis) 

هو زيادة في التقوس الداخلي للفقرات القطنية (أسفل الظهر)، مما يسبب بروزًا للبطن للأمام وزيادة انحناء أسفل الظهر. 

قد يحدث بسبب: السمنة، أو الحمل، أو ضعف عضلات البطن أو قصر عضلات الفخذ.

والآن بعد التعرف على أنواع اعوجاج العمود الفقري، من المهم فهم درجات كل نوع؛ لأنها تُستخدم لتحديد شدة الحالة واختيار العلاج المناسب.

ما هي درجات اعوجاج العمود الفقري؟

درجات اعوجاج العمود الفقري تُحدد حسب زاوية كوب (Cobb Angle) عبر الأشعة السينية، وتنقسم إلى: 

• بسيطة (10–20°).
• متوسطة (20–40°).
• شديدة (أكثر من 40°). 

وكل درجة تختلف في الأعراض، والمضاعفات، وطرق العلاج.

• الجنف البسيط (Mild Scoliosis: من 10 إلى 20 درجة)

هو انحناء خفيف غالبًا لا يُلاحظ بالعين المجردة، وتشمل أهم أعراضه: ألم خفيف أو عدم توازن بسيط في الوقوف، ومن خطورته أنه قد يتطور مع النمو في 20% من الحالات، ومن ثم يجب الاهتمام بالمراقبة الدورية وممارسة التمارين التصحيحية.

• الجنف المتوسط (Moderate Scoliosis: من 20 إلى 40 درجة)

هو انحناء أكثر وضوحًا مع تغيّر في وضع الكتفين أو الخصر، وقد يرافقه أحيانًا ضيق في التنفس في الحالات الصدرية.

ويحتاج إلى تمارين علاجية + حزام دعم (Bracing)؛ منعًا لحدوث مضاعفات صحية. 

كما يفضل التصوير بالأشعة كل 6 أشهر لمراقبة التقدم في الحالة نفسها.

• الجنف الشديد (Severe Scoliosis: أكثر من 40 درجة)

هو انحناء كبير قد يؤثر في القلب أو الرئتين، ومن أهم أعراضه: آلام مستمرة، وضعف أو تنميل بالأطراف، ومشاكل تنفسية، وغالبًا يتطلب تدخل جراحي (مثل: دمج الفقرات أو VBT).

وتذكر أنه كلما زادت زاوية الانحناء، زادت احتمالية حدوث مضاعفات تؤثر في الجهاز التنفسي أو العصبي، وخاصة مع الانحناءات الشديدة فوق 70 درجة.

كيفية تشخيص اعوجاج العمود الفقري

يتم تشخيص اعوجاج العمود الفقري من خلال الفحص السريري، يليه الأشعة السينية الدقيقة لقياس زاوية الانحناء (Cobb Angle). 

وفي بعض الحالات، تُستخدم فحوصات متقدمة، مثل: الرنين المغناطيسي أو أشعة EOS لتحديد السبب ومدى التأثير على الأعصاب أو الأنسجة المحيطة.

• الفحص السريري (الخطوة الأولى للتشخيص)

عن طريق إجراء اختبار آدمز للانحناء الأمامي، والذي يمكنه كشف أغلب حالات الجنف البسيط بدقة تصل إلى 84%.

يتم عن طريق انحناء المريض للأمام لملاحظة أي بروز أو عدم تناسق بين الكتفين أو القفص الصدري. 

كما يلجأ الطبيب خلال هذا الفحص إلى قياس الانحراف باستخدام Scoliometer، وهو الجهاز الذي يُستخدم لتقدير زاوية دوران الجذع (TRM).

• الأشعة السينية وقياس زاوية كوب (Cobb Angle)

تلتقط هذه الأشعة بوضعية الوقوف، من الأمام والجانب لتقييم نوع ودرجة الانحناء. 

أما زاوية كوب، فتُحسب برسم خطوط على الفقرات الأكثر انحرافًا، وتُستخدم لتحديد شدة الجنف:

• 10–20°: جنف بسيط.
• 20–40°: جنف متوسط.
• أكثر من 40°: جنف شديد.

وتُعد زاوية كوب المرجع الأساسي لتحديد خطة العلاج ومتابعة التطور.

• الفحوصات الإضافية لتشخيص اعوجاج العمود الفقري (حسب الحاجة)

• الرنين المغناطيسي (MRI): يُستخدم إذا وُجد شك بوجود مشكلات عصبية أو تشوهات خلقية.
• فحص كثافة العظام (DEXA): للمساعدة على تقييم الهشاشة، وخاصة لدى كبار السن.
• أشعة EOS ثلاثية الأبعاد: تُعطي صورة دقيقة بجرعة إشعاع منخفضة، وهي مفيدة في حالات الأطفال والمراهقين.

ولا تنس أنه، يجب أن تشخص الحالة تحت إشراف اختصاصي جراحات العمود الفقري، خاصة في حالات الأطفال أو عند ظهور أعراض، مثل: التنميل أو آلام شديدة في الظهر.

ما هي طرق علاج اعوجاج العمود الفقري؟

تختلف طرق علاج اعوجاج العمود الفقري (الجنف) حسب عمر المريض، ونوع الانحناء، ودرجة زاوية كوب (Cobb Angle)، وتشمل:العلاج التحفظي (تمارين، وأحزمة)، والجراحة للحالات الشديدة، مع تقنيات حديثة تحافظ على مرونة العمود الفقري.

• العلاج التحفظي (غير الجراحي)

يُستخدم في الحالات الخفيفة إلى المتوسطة، ويتم عن طريق:

• المتابعة والمراقبة: للجنف البسيط (10–20 درجة)، مع فحوص دورية وأشعة سينية لتتبع تطور الحالة.
• التمارين العلاجية، مثل: تمارين شروث لتحسين وضعية العمود الفقري وتقوية العضلات.
• الحزام الطبي (Bracing): يُوصى به للانحناء بين 20–40 درجة، فهو يقلل من تطور الانحناء ويؤخر الحاجة للجراحة بنسبة تصل إلى 70%.

• الجراحة (للانحناء أكثر من 40 درجة أو الحالات سريعة التدهور)

وفقًا لتشخيص الطبيب المختص يتم العلاج الجراحي بطرق مختلفة، تشمل:

• دمج الفقرات (Spinal Fusion): تثبيت الفقرات المنحرفة باستخدام قضبان ومسامير، وتعد العلاج الجراحي التقليدي والأكثر استخدامًا.
• الربط الداخلي الديناميكي (VBT): تقنية حديثة تُستخدم في حالات المراهقين للحفاظ على مرونة العمود الفقري.
• الحديد الذكي (Magnetic Growing Rods): يُستخدم للأطفال، ويُضبط طوله خارجيًا دون تدخل جراحي متكرر.

• العلاجات المساعدة 

• العلاج الطبيعي لتحسين التوازن العضلي والحركي.
• اليوغا العلاجية لزيادة المرونة.
• الوخز بالإبر لتخفيف آلام الظهر المزمنة.

معظم حالات الجنف الخفيف لا تتطلب جراحة، ويوصى بالتدخل الجراحي فقط إذا فشل العلاج التحفظي أو تجاوزت زاوية الانحناء 40 درجة فأكثر.

هل يمكن التعايش مع اعوجاج العمود الفقري؟

نعم، يمكن التعايش مع اعوجاج العمود الفقري (الجنف) في أغلب الحالات، خاصة إذا كانت زاوية الانحناء خفيفة أو متوسطة وتم التعامل معها بمتابعة طبية وتمارين مناسبة. 

ويعتمد ذلك على درجة الانحناء، وعمر المريض، ونوع العلاج المستخدم.

طرق التعايش حسب شدة الجنف ودرجات اعوجاج العمود الفقري

• الجنف البسيط (10–20 درجة)

• المتابعة كل 6–12 شهرًا.
• تمارين يومية لتحسين التوازن والمرونة (مثل: تمارين شروث).
• تعديل أوضاع الجلوس والنوم.

• الجنف المتوسط (20–40 درجة)

• ارتداء الحزام الطبي بانتظام (حسب توصية الطبيب).
• جلسات علاج طبيعي منتظمة.
• ممارسة رياضات آمنة، مثل: السباحة أو المشي.

• الجنف الشديد (>40 درجة)

• بعد الجراحة: العودة للحياة الطبيعية ممكنة تدريجيًا خلال 6–12 شهرًا.
• بدون جراحة: التركيز على تخفيف الأعراض وتحسين جودة الحياة بالعلاج الفيزيائي والدعم الطبي.

نصائح يومية للتعايش مع اعوجاج العمود الفقري

• الجلوس باستقامة واستخدام وسادة لدعم أسفل الظهر.
• تجنب حمل أوزان ثقيلة أو الانحناء المفاجئ.
• الحفاظ على وزن صحي وتناول أطعمة غنية بالكالسيوم وفيتامين D.
• الدعم النفسي مهم، خاصة للمراهقين (مثل: مجموعات دعم الجنف).

90% من حالات الجنف لا تؤثر في جودة الحياة أو تمنع المريض من ممارسة نشاطاته اليومية، ولكن متى يستدعي القلق؟

• إذا زاد الانحناء بسرعة.
• إذا ظهر ألم مستمر أو أعراض، مثل: التنميل أو ضعف في الأطراف.
• في حال تأثر التنفس أو الشكل الخارجي للجسم.

الخاتمة

تختلف درجات اعوجاج العمود الفقري من حالة لأخرى، لكن التشخيص المبكر والمتابعة الطبية الدقيقة هما الأساس في تجنّب المضاعفات والوصول إلى أفضل نتائج علاجية ممكنة. 

سواء كان الانحراف بسيطًا يمكن التعامل معه بالتمارين والمراقبة، أو شديدًا يتطلب تدخّلًا جراحيًا، فإن فهم نوع الاعوجاج ودرجته هو الخطوة الأولى نحو خطة علاج فعّالة.

لا تتردد في مراجعة الطبيب المختص عند ملاحظة أية علامات غير طبيعية على استقامة الظهر أو وضعية الجسم؛ فالتدخل المبكر يُحدث فرقًا كبيرًا في تطور الحالة ونمط الحياة على المدى الطويل.